منذ أيام التقيتُ بصديقٍ لي، صديقٌ علاقته بي لم يمضِ عليها الكثير، وقد يكون هذا ما يربكني.. شعرتُ بالحَرج حينما استوعبت مضي أكثر من ستة أشهر على لقائنا، هو من يدعو وأنا من يعتذر.. دائمًا يأتي لمدينتي عوضًا عن أذهب له، باختصار هوَ من يستثمر في هذه العلاقة.
هذه المرّة هو من اختار المكان، وزرت مدينته لأوّل مرة.. يعجبني في مدينةٍ كهذه أن ارتفاع البنايات لا يتعدّى الثلاث طوابق، فتتسع لك السماء بمداها، ولا يضيّق رؤياك شيء.
التقينا، وكان هو من يتحدّث أغلب الوقت، يسألني ولا أجدُ شيئًا أجيبه به.. حدث الكثيرُ في الستة الأشهر الماضية بالطبع، لكن لا شيء منها ليروى..
انحرجت أكثر، إلى متى وأنا في هذا الجمود؟ عاجزٌ عن العطاءِ حتى بكلمة!
بعدها بأيام اتصل بي أحد أصدقائي فقط ليطمئن عليّ، ولا أعرف كيف وصل بنا الحديث إلى “البيت والعالم”.
عن البيت كفكرة، تنطلق منها نحو العالم، مقياس للعاديّ.. وغير العادي.
عن البيت حينما يعطيك مساحةً لتشكّل فيها عالمًا خاصًا يصبحُ داخله الغير ممكن ممكنًا متحررًا من كلّ القيود، وعن البيت حينما يخنقك عالمُه ويلفظك خارجًا ليتلقفك العالم الواسع ويصيرُ لك بيتًا.
البيوت عوالمٌ مُختلفة، كاختلاف النّاس.. سهلٌ أن تعرف النّاس وتميّز اختلافاتهم، لكن البيوت.. تدورُ حولها هالةُ غموض، دائمًا..
أتذكر قول صديقي “الأصدقاء نوعين، ناس تدّخلهم المجلس بس، وناس تدّخلهم صالة بيتكم.” وأنا عندي الأصدقاء نوعين، نوع تدّخلهم البيت، ونوع لا يعرفون البيت أصلًا ولا يدلّونه.
لمَ كُلّ هذا؟ لأن البيت عالمٌ خاص، وحينما أدعوكَ للبيت، فهذه ليست دعوةٌ لمكانٍ وحسب، بل دعوةٌ لعالمٍ يحملُ أفكارًا عديدة.. قد يُفصح عنها البيت! وأحيانًا لا تكونُ لي رغبةٌ بفتح أبواب العوالم على بعضها البعض.
ما الفرق بين أن تمارس فعلًا داخل البيت -أي بيت- وبين ممارسةِ الفعل ذاته في العالم؟
مثالٌ بسيطٌ على هذا، تبادُل الحديث مع شخصٍ واحد.. في البيت -العالمُ المغلق- صعبٌ أن يُشتت الحديثُ أي شيء، في المقهى أو في البَحر قد يشغلُ حواسك كُلّ ما حولك.
وأيضًا، قد يصيرُ عالمُ البيتِ غريبًا ومُقَيِّدًا، يفصلك عن نفسك ويُنسيك كيف بإمكانك بدء حديث واحد حقيقيّ وكامل.
انتهى الحديث وما زالت أفكارنا عائمة، لكن ما زالت فكرة البيت وكلّ مايدور حوله تُثير فضولي، تذكرّت قدرتي على كسر الجمود والعطاء بكلماتٍ وأفكار.. لكنني كالأطفال أو قطط البيت – وما أغرب أن يشبّه المرءُ نفسه بالأطفالِ والقطط! – بحاجةٍ لعدّة عوامل، لأكسر جمودي.
تذكرتُ فلمًا شاهدتهُ قبل أربع أو خمس سنوات، يتحدّث عن العالم الذي يشكلّه البيتُ بمن فيه، أو هذا ما أظنّه وأتذكره، رحتُ أبحث عن الفلم وأنا لا أتذكر سوى أنه فلمٌ جورجيّ، ووجدته.

فلمٌ آخر قصير، كوريّ، أظنّه يتشابكُ مع أفكارنا أيضًا.. إلا أنّ هذا الآخر آلمني قليلًا.. ما أصعب أن يكونَ المرءُ طفلًا.. أحيانًا..

ردان على “البيت.. والعالم”
أخمن أنها وجهة النظر المشتركة للانطوائيين أن البيت منطقة الأمان والراحة أكثر من الخارج الذي لايمكن السيطرة عليه.
إعجابLiked by 2 people
ممكن! لهذا ربما أطلقوا مسمى البيتوتي الذي أجده طريفًا، أهلًا بك في المدونة يا شذى (:.
إعجابإعجاب