في اليوم الذي تلى الرحلة استيقظت من النوم مبكرًا وبدأتُ بترتيب الفوضى التي أحدثها سفري وغسلت الملابس وكان عندي موعد لفحص العيون في الصباح الباكر، كنت أعرف أنه يجب عليّ أن أرتاح بعد السفر لكن في نفس الوقت لا بد علي من إنجاز هذه المهام..
في الفترة الأخيرة لاحظت أنّى لم أعد مرتاحًا عند ارتداء النظارة، لذلك قررت إجراء فحص النظر.. كان الفحص شاملًا كل شيء تقريبًا، صحة العين سليمة الحمدلله.. النظر لم يتغير كثيرًا لكن العدسات كانت تحتاج لتغيير.
هنا كنتُ بين خيارين استنادًا إلى الميزانية، إما أن أبقي إيطار نظارتي وأبدل العدسات إلى عدسات خفيفة أغلى ثمنًا، أو أقتني نظارةً جديدة مع عدسات ثقيلة، فاخترت الخيار الأول.
وعندما دفعت وانتهيت، تركتُ نظارتي عندهم.. وسألوني: عندك نظارة أخرى صحيح؟ لا ماعندي! ليه؟ قالوا النظارة ممكن تأخذ بين الأسبوع حتى عشرة أيام حتى تنتهي.. ابتسمت، طيّب، خير إن شاءالله.
أنا أرتدي النظارة في ثلاث حالات بشكلٍ أساسي، عند قيادة السيارة.. ولا أقود الآن، وفي المحاضرات، ولم يكن عندي محاضرات هذا الأسبوع.. وعند العمل على اللابتوب أحيانًا.
لكنّي سأعود للجامعة مع بداية الأسبوع.. والله أعلم كيف سيكون شكل الجامعة إن لم تجهز النظارة!
بعدها عدت وأعددت الفطور، شهيتي تحسّنت كثيرًا مع الرياضة.. ثم أخذت القطار متوجهًا إلى آخر محطةٍ يصلُ إليها القطار على أطراف المدينة، هناك التقيتُ بأصحابٍ لي في بلدةٍ صغيرة على مُرتفع تحيطها غابة، مشينا مشيًا طويلًا على أطراف الغابة وعلى الطريق السريع.. شاهدنا غزلانًا وسناجب وأزهار الربيع تتفتحُ على استحياء، ضحكت وأنا أتأمل الأزهار.. لا أعرف، غابت عن بالي حقيقة أن الربيع قد يزور هذه البلاد بعد البرد الذي عشناه!
بعدها ذهبنا إلى بيت أحد الأصحاب في نفس البلدة، لتوهم والداه عادا إلى البلاد بعدما كانا في زيارةٍ له، لذلك البيت كان عامرًا! تعاوننا على إعداد الطعام.. صاحبنا الثاني كان يشتهي خلية النحل منذ مدة، وهذه واحدة من تلك الأكلات التي لا تجدها في السوق.. فقط في البيت، ولأني ملك العجين والخبز عجنتها وخبزناها، وصدقوني أنا أبهرت نفسي لأني لم أتوقع هذه الروعة!

هل ترون العسل الذهبي؟ صاحبنا يقول:”هذا عسل من مزرعة خالي، خالي يبيعه بألف ريال وأمي تأخذه ببلاش، بالعافية شباب” ويطلق ضحكة ههههههههههههههههه. وبين كل حين وحين يقول “شوفوا شباب اللحين بتطلع السعودية” ويخرج بخورًا ويشعله، أو يغلي قهوةً عربية.. أو يخرج ابريق الشاي الذهبي ذاك، ويقول:” شوف، تشوف هذا؟ هذا هو السعودية!”.
حتى عند تناول الطعام اتبع نظامًا معين، القهوة العربية والتمر أولًا، ثم العشاء.. ثم القهوة والشاي والحلويات.. وبين كل هذا كان يشعل البخور، ويقول إن هدفه في هذا اليوم إنه يأتي لنا بالسعودية (: ظريف جدًا صاحبنا، ظريف ولطيف!
وعندما خرجنا، أعطانا الكثير.. وصب لنا من عسل أبو بلاش xp صاحبنا هذا كريم لكن ليس بأي كرم، كريم كرم الجدات، تخرج من عنده وأنت محمّل بنص البيت! كل شيء في هذا اليوم كان يشبه العيد بالنسبة لي.. أجمل شيء أن هناك ألفةٌ تنبني يومًا بعد اليوم مع المكان والنّاس.. وأجمل أجمل شيء؟ عندما دخلت البيت نهاية اليوم، وكانت رائحة البخور مازالت عالقة فيّ وفي ملابسي وأشيائي.
هذا كل شيء (:

موسيقى؟
اترك تعليقًا